فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال الثعلبي:

سورة الهمزة:
{ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ}
قال ابن عباس: هم المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الأحبّة، الباغون، البراء: العنت. سعيد بن جبير وقتادة: الهمزة الذي يأكل لحوم الناس ويغتابهم، واللمزة: الطعّان عليهم. مجاهد: الهمزة: الطعّان في الناس، واللمزة: الطعّان في أنساب الناس.
وقال أبو العالية والحسن وعطاء بن أبي رباح: الهمزة الذي يغيب ويطعن في وجه الرجل إذا أقبل، واللمزة الذي يغتابه من خلفه إذا أدبر وغاب. ضده مقاتل. مرّة: يعني كل طعّان عيّاب مغتاب للمرء إذا غاب، دليله قول زياد بن الأعجم:
إذا لقيتكَ عن شحط تكاشرني ** وإن تغيّبتُ كنتَ الهامز اللمزة

ابن زيد: الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه ويغيبهم.
سفيان الثوري: يهمز بلسانه ويلمز بعينه. ابن كيسان: الهمزة الذي يؤذي جليسه بسوء اللفظ، واللمزة الذي يكسر عينه على جليسه، ويُشير برأسه، ويومض بعينه، ويرمز بحاجبه، وهما لغتان للفاعل نحو سَخَرة وضَحَكة للذي يسخر ويضحك من الناس.
وروي عن أبي جعفر والأعرج بسكون الميم فيهما، فإن صحّت القراءة فهي في معنى المفعول، وهو الذي يتعرّض للناس حين يهمزوه ويضحكون منه، ويحملهم على الاغتياب.
وقرأ عبد اللّه والأعمش ويلٌ للهمزة اللمزة، وأصل الهمز الكسر والعض على الشيء بالعنف، ومنه همز الحرف، ويُحكى أنّ أعرابيًّا قيل له: أتهمز الفارة؟ فقال: الهرّة تهمزها، وقال الحجاج:
ومن همزنا رأسه تهشما

واختلف المفسّرون فيمن نزلت هذه الآية، فقال قوم: نزلت في جميل بن عامر الجمحي، وإليه ذهب ابن أبي الجمح، وقال الكلبي: نزلت في الأخنس بن شريق ووهب بن عمرو الثقفي وكان يقع في الناس ويغتابهم مقبلين ومدبرين.
وقال محمد بن إسحاق بن مسار: ما زلنا نسمع أن سورة الهمزة نزلت في أُميّة بن خلف الجمحي.
وقال مقاتل: نزلت في الوليد بن المغيرة وكان يغتاب النبي صلى الله عليه وسلم ويطعن في وجهه.
وقال مجاهد وغيره: ليست بخاصّة لأحد، بل كل من كانت هذه صفته.
{الذى جَمَعَ مَالًا} قرأ شيبة ونافع وعاصم وابن كثير وأبو عمرو وأيّوب بتخفيف الميم، واختاره أبو حاتم، غيرهم بالتشديد واختاره أبو عبيد، واختلف فيه عن يعقوب.
{وَعَدَّدَهُ} أحصاه وقال مقاتل: أستعدّه وذخره وجعله عتادًا له.
وقرأ الحسن وعدده بالتخفيف وهو بعيد، وقد جاء مثل ذلك في الشعر لمّا أبرزوا التضعيف خفّفوه، قال الشاعر:
مهلا أعاذل قد جربت من خلقي ** إني أجود الأقوام وإن ضننوا

{يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ} في الدنيا {كَلاَّ} ردٌ عليه.
أخبرني بن فتحوية قال: حدّثنا خُنيس قال: حدّثنا أبو الهيثم بن الفضل قال: حدّثنا أبو زرعة قال: حدّثنا ابن السرح قال: أخبرنا ابن وهب قال: حدّثني حرملة بن عمر أنه سمع عمر ابن عبد اللّه مولى غفرة يقول: إذا سمعت اللّه سبحانه يقول: {كَلاَّ} فإنما يقول: كذبت.
{لَيُنبَذَنَّ} ليقذفنّ ويطرحنّ.
وقرأ الحسن لينبذان بالألف على التثنية يريد هو وماله {فِي الحطمة} وهي النار سُمّيت بذلك؛ لأنّها تحطم أي تكسر {وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الحطمة نَارُ الله الموقدة التي تَطَّلِعُ عَلَى الأفئدة} يعني يبلغ ألمها ووجعها القلوب، والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى، وحكي عن بعض العرب سماعًا: متى طلعت أرضنا بمعنى بلغت، ومعنى الآية أنها تأكل شيئًا منه حتى تنتهي إلى فؤاده.
قال القرظي والكلبي: {إِنَّهَا عَلَيْهِم مؤصدة} مطبقة مغلقة {فِي عَمَدٍ}، قرأ أهل الكوفة بضمّتين، غيرهم بالنصب، واختاره أبو حاتم لقوله: {رَفَعَ السماوات بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [الرعد: 1] وهما جمعان للعمود مثل أديم وأدم، وأفيق وأفق، وقضيم وقضم، قال الفرّاء: وقال أبو عبيد: هو جمع عماد مثل أهاب وأُهُب وأَهَب.
{مُّمَدَّدَةٍ} قراءة العامّة بالخفض على نعت العمد.
وقرأ عاصم الجحدري ممدّدةٌ بالرفع جعلها نعتًا للموصدة.
واختلفوا في معنى الآية، فقال ابن عباس: أدخلهم في عمد، فمدّت عليهم بعماد وفي أعناقهم السلاسل، فسدّت عليهم بها الأبواب.
وقال قتادة: بلغنا أنّها عمد يعذّبون بها في النار، وقيل: هي عمد موتّدة على أبوابها ليتأكد أياسهم منها، وقيل: معناه أنّها عليهم مؤصدة بعمد، وكذلك هي في قراءة عبد اللّه: بعمد، بالباء.
عن أنس بن مالك قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «المؤمن كيّس فطن حذر وقاف ثبت، لا يعجل، عالم ورع، والمنافق همزة لمزة حطمة، لا يقف عند شبهة ولا عند محرم كحاطب الليل لا يبالي من أين كسب ولا فيما أنفق». اهـ.

.قال الزمخشري:

سورة الهمزة:
مكية.
وآياتها 9.
نزلت بعد القيامة.
بسم الله الرحمن الرحيم

.[سورة الهمزة: الآيات 1- 9]

{وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (1) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ (3) كَلاَّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ (4) وَما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ (5) نارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ (6) الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ (7) إِنَّها عَلَيْهِمْ مؤصدة (8) فِي عَمَدٍ مُمَدَّدَةٍ (9)}
الهمز: الكسر، كالهزم. واللمز: الطعن. يقال: لمزه ولهزه طعنه، والمراد: الكسر من أعراض الناس والغض منهم، واغتيابهم، والطعن فيهم وبناء (فعلة) يدل على أنّ ذلك عادة منه قد ضرى بها. ونحوهما: اللعنة والضحكة.
قال:
وإن أغيّب فأنت الهامز اللّمزه

وقرئ: {ويل للهمزة اللمزة}. وقرئ: {ويل لكل همزة لمزة}، بسكون الميم: وهو المسخرة الذي يأتى بالأوابد والأضاحيك فيضحك منه ويشتم.
وقيل: نزلت في الأخنس بن شريق وكانت عادته الغيبة والوقيعة.
وقيل: في أمية بن خلف.
وقيل: في الوليد بن المغيرة واغتيابه لرسول اللّه صلى الله عليه وسلم وغضه منه. ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما، ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإنّ ذلك أزجر له وأنكى فيه الَّذِي بدل من كل. أو نصب على الذم.
وقرئ: {جمع} بالتشديد، وهو مطابق لعدده. وقيل {عَدَّدَهُ} جعله عدة لحوادث الدهر.
وقرئ: {وعدده} أي جمع المال وضبط عدده وأحصاه. أو جمع ماله وقومه الذين ينصرونه، من قولك: فلان ذو عدد وعدد: إذا كان له عدد وافر من الأنصار وما يصلحهم.
وقيل {وَعَدَّدَهُ} معناه: وعدّه على فك الإدغام، نحو: ضننوا {أَخْلَدَهُ} وخلده بمعنى، أي طوّل المال أمله، ومناه الأمانى البعيدة، حتى أصبح لفرط غفلته وطول أمله يحسب أنّ المال تركه خالدا في الدنيا لا يموت. أو يعمل من تشييد البنيان الموثق بالصخر والآجر وغرس الأشجار وعمارة الأرض: عمل من يظن أن ماله أبقاه حيا. أو هو تعريض بالعمل الصالح. وأنه هو الذي أخلد صاحبه في النعيم، فأما المال فما أخلد أحدا فيه.
وروى أنه كان للأخنس أربعة آلاف دينار.
وقيل: عشرة آلاف.
وعن الحسن: أنه عاد موسرا فقال: ما تقول في ألوف لم أفتد بها من لئيم، ولا تفضلت على كريم؟ قال: ولكن لماذا؟ قال: لنبوة الزمان، وجفوة السلطان، ونوائب الدهر، ومخافة الفقر.
قال: إذن تدعه لمن لا يحمدك، وترد على من لا يعذرك كَلَّا ردع له عن حسبانه.
وقرئ: {لينبذان}، أى: هو وماله. و{لينبذن}، بضم الذال، أى: هو وأنصاره. و{لينبذنه} {فِي الْحُطَمَةِ} في النار التي من شأنها أن تحطم كل ما يلقى فيها. ويقال للرجل الأكول: إنه الحطمة. وقرئ: {الحاطمة}، يعنى أنها تدخل في أجوافهم حتى تصل إلى صدورهم وتطلع على أفئدتهم، وهي أوساط القلوب، ولا شيء في بدن الإنسان ألطف من الفؤاد، ولا أشد تألما منه بأدنى أذى يمسه، فكيف إذا اطلعت عليه نار جهنم واستولت عليه. ويجوز أن يخص الأفئدة لأنها مواطن الكفر والعقائد الفاسدة والنيات الخبيثة. ومعنى اطلاع النار عليها: أنها تعلوها وتغلبها وتشتمل عليها. أو تطالع على سبيل المجاز معادن موجبها مؤصدة مطبقا.
قال:
تحنّ إلى أجبال مكّة ناقتي ** ومن دونها أبواب صنعاء مؤصدة

وقرئ: {في عمد}، بضمتين. و{عمد}، بسكون الميم. و{عمد}. بفتحتين. والمعنى: أنه يؤكد يأسهم من الخروج وتيقنهم بحبس الأبد، فتؤصد عليهم الأبواب وتمدد على الأبواب العمد، استيثاقا في استيثاق. ويجوز أن يكون المعنى: أنها عليهم مؤصدة، موثقين في عمد ممدّدة مثل المقاطر التي تقطر فيها اللصوص. اللهم أجرنا من النار يا خير مستجار.
عن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: «من قرأ سورة الهمزة أعطاه اللّه عشر حسنات بعدد من استهزا بمحمد وأصحابه». اهـ.

.قال الماوردي:

قوله تعالى: {وَيْلٌ لكلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ} فيه أربعة تأويلات:
أحدها: أن الهمزة المغتاب، واللمزة العيّاب، قاله ابن عباس، ومنه قول زياد الأعجم:
تُدْلي بوُدّي إذا لاقيتني كَذِبًا ** وإن أُغَيّبْ فأنْتَ الهامزُ اللُّمَزة

الثاني: أن الهمزة الذي يهمز الناس، واللمزة الذي يلمزهم بلسانه، قاله ابن زيد.
الثالث: أن الهمزة الذي يهمز في وجهه إذا أقبل، واللمزة الذي يلمزه من خلفه إذا أدبر، قاله أبو العالية، ومنه قول حسان:
همزتك فاخْتَضَعْتَ بذُلَّ نفْسٍ ** بقافيةٍ تأَجج كالشُّواظِ

الرابع: أن الهمزة الذي يعيب جهرًا بيد أو لسان، واللمزة الذي يعيبهم سرًا بعين أو حاجب، قاله عبد الملك بن هشام.
قال رؤبة:
في ظل عَصْرَيْ باطِلي وَلَمزِي

واختلفوا فيمن نزلت فيه على خمسة أقاويل:
أحدها: في أُبي بن خلف، قاله عمار.
الثاني: في جميل بن عامر الجمحي، قاله مجاهد.
الثالث: في الأخنس بن شريق الثقفي، قاله السدي.
الرابع: في الوليد بن المغيرة، قاله ابن جريج.
الخامس: أنها مرسلة على العموم من غير تخصيص، وهو قول الأكثرين.
{الذي جَمَعَ مَالًا وعَدَّدَه} فيه اربعة أوجه:
أحدها: يعني أحصى عدده، قاله السدي.
الثاني: عددّ أنواع ماله، قاله مجاهد.
الثالث: لما يكفيه من الشين، قاله عكرمة.
الرابع: اتخذ ماله لمن يرثه من أولاده.
ويحتمل خامسًا: أنه فاخر بعدده وكثرته.
{يَحْسَبُ أَنّ مالَه أَخْلَدَهُ} فيه وجهان:
أحدهما: يزيد في عمره، قال عكرمة.
الثاني: يمنعه من الموت، قال السدي.
ويحتمل ثالثًا: ينفعه بعد موته.
{كَلاَّ لَيُنبَذَنَّ في الحُطَمَةِ} وفيها ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه اسم باب من أبواب جهنم، قاله ابن واقد، وقال الكلبي هو الباب السادس.
الثاني: أنه اسم درك من أدراك جهنم، وهو الدرك الرابع، قاله الضحاك.
الثالث: أنه اسم من أسماء جهنم، قاله ابن زيد.
وفي تسميتها بذلك وجهان:
أحدهما: لأنها تحطم ما أُلقي فيها، أي تكسره وتهده، ومنه قول الراجز:
إنا حَطْمنا بالقضيب مُصْعَبا ** يومَ كَسَرنا أَنْفَه ليَغْضَبا

{التي تَطّلِعُ على الأَفئدةِ} روى خالد بن أبي عمران عن النبي صلى الله عليه وسلم أن النار تأكل أهلها حتى إذا اطلعت على أفئدتهم انتهت، ثم اذا صدروا تعود، فذلك قوله: {نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة} ويحتمل اطلاعها على الأفئدة وجهين:
أحدهما: لتحس بألم العذاب مع بقاء الحياة ببقائها.
الثاني: استدل بما في قلوبهم من آثار المعاصي وعقاب على قدر استحقاقهم لألم العذاب، وذلك بما استبقاه الله تعالى من الإمارات الدالة عليه.
{إنَّها عليهم مؤصدة} فيه ثلاثة أوجه:
أحدها: مطبقة، قاله الحسن والضحاك.
الثاني: مغلقة بلغة قريش، يقولون آصد الباب إذا أغلقه، قاله مجاهد ومنه قول عبيد الله بن قيس الرقيات:
إن في القَصْر لو دَخَلنْا غَزالًا ** مُصْفقًا مُوصَدًا عليه الحجابُ

الثالث: مسدودة الجوانب لا ينفتح منها جانب، قاله سعيد بن المسيب، وقال مقاتل بن سليمان: لا يدخلها روْح ولا يخرج منها غم.
{في عَمَدٍ مُمَدَّدةٍ} فيه خمسة أوجه:
أحدها: أنها موصدة بعمد ممددة، قاله ابن مسعود، وهي في قراءته {بعَمَدٍ ممدّدة}.
الثاني: أنهم معذبون فيها بعُمد محددة، قاله قتادة.
الثالث: أن العُمد الممدة الأغلال في أعناقهم، قاله ابن عباس.
الرابع: أنها قيود في أرجلهم، قاله أبو صالح.
الخامس: معناه في دهر ممدود، قاله أبو فاطمة. اهـ.